فصل: الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الخامسة في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقالة الخامسة في الولايات المتحدة:

وفيها أربعة أبواب:

.الباب الأول في بيان طبقاتها وما يقع به التفاوت:

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول في بيان طبقات الولايات:

وهي على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: الخلافة ولما يكتب في ولايتها طريقان:
إما عهدٌ من الخلفة الأول، وإما بيعةٌ من أهل الحل والعقد إن لم يوجد عهدٌ من الخليفة قبله على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية السلطنة ولما يكتب في ولايتها طريقان: أحدهما العهد من الخليفة، والثاني العهد من السلطان قبله. قال في التعريف: أما من قام من الملوك بغير عهد، فلم تجر العادة أن تكتب له مبايعةٌ.
الطبقة الثالثة الولايات عن الخلفاء والملوك وما يكتب عن السلطان بالديار المصرية في أقطار المملكة بمصر والشام والحجاز، مما يكتب من ديوان الإنشاء الشريف بالأبواب السلطانية. وهي على خمسة أنواع:
النوع الأول: ولايات أرباب السيوف:
وهم على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: النواب من الأمراء وغيرهم من أرباب الوظائف:
وغالب من يكتب له منهم بالبلاد الشامية ومضافاتها، كنواب السلطنة بدمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك، ومقدمي العسكر بغزة وسيس، ونواب القلاغ بالمدن العظام ذوات القلاع الرفيعة القدر، كالنائب بقلعة دمشق والنائب بقلعة حلب، والنائب بقلعة صفد. أما طرابلس وحماة، فليس بهما قلعة، وكذلك النيابات الصغار المضافة إلى القواعد الكبار، كالقدس الشريف وحمص ومصياف من مضافات دمشق، وقلعة المسمين والرحبة والبيرة والرها وشيزر وعين تاب وبهسنا وملطية وآياس والأبلستين وأذنة وطرسوس من مضافات حلب، واللاذقية وحصن عكار من مضافات طرابلس وما يجري مجرى ذلك، على ما سيأتي بيانه مفصلاً في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
أما ما دونها من النيابات فإن نواب السلطنة بالمملكة يستقلون بالتولية فيها.
قلت: والضابط في ذلك أن كل نيابةٍ كان نائبها تقدمة ألف، فولايتها عن السلطان بمرسوم شريفٍ من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، وكل ولايةٍ كان نائبها جندياً أو مقدم حلقة فولايتها عن نائب السلطنة بالمملكة التي هي مضافةٌ إليها بتوقيع كريم من ديوان الإنشاء بها، وكل نيابةٍ كان نائبا أمير طبلخاناه أو عشرة ربما ولى فيها السلطان وربما ولى فيها نائب السلطنة، إلا أن تولية السلطان لنواب الطبلخاناه أغلب، وتولية نواب السلطنة لنواب العشرة أغلب.
أما الديار المصرية فإنه كان يكتب فيها أولاً لولاة الوجهين: القبلي والبحري جرياً على ما كان الأمر عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وكذلك والي الإسكندرية قبل أن تستقر نيابةً، وواليا الولاة بالوجهين قبل أن يستقرا نيابتين، في جماعةٍ أخرى من أرباب الوظائف، كالنائب الكافل وأتابك الجيوش كإستادار وأميراخور ومقدم المماليك وواليي مصر والقاهرة. ثم صارت الكتابة لذوي الوظائف من أرباب السيوف قاصرةً على النائب الكافل إذا كان موجوداً والنواب المستجدين بالإسكندرية والوجهين: القبلي والبحري، وبطل ما عدا ذلك مما كان يكتب، وكأن المعنى فيه القرب من مقرة السلطان. والكتابة إنما تقع في الغالب مع البعد؛ لتكون حجةً للمتولي على بعد المدى، ولا ينتقض ذلك بما يكتب للخلفاء والملوك في الحضرة، فإن ذلك من الأمور العامة التي يخاف انتقاضها أو جحودها، إذ مثل ذلك لا يجوز في الولايات عن السلطان؛ لأنه متى شاء عزل من ولاه.
الصنف الثاني- ولاية أمراء العربان، وهؤلاء لاحظ لهم في الكتابة بالولاية بالديار المصرية الآن، وربما يكتب لأمرائهم بالمملكة الشامية، كأمير آل فضل، وأمير آل مرا، وأمير آل علي، ومقدم جرم، وكذلك أمير مكة المشرفة، وأمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، والنائب بالينبع من البلاد الحجازية. والمعنى في اختصاص من بعد منهم ما تقدم في الكلام على أرباب السيوف مع ضعف شأن عرب الديار المصرية وعدم الاهتمام بأمرهم.
الصنف الثالث- ولاية المقدمين على الطوائف كمقدمي التركمان، والأكراد، والجبلية بالبلاد الشامية، وأتابك طائفة الإسماعيلية بقلاع الدعوة، وحاكم البندق ونحوهم، وهذه الطوائف ممن يكتب له إلى الآن، أما حاكم البندق، فإنه لم يعهد له كتابةٌ من ديوان الإنشاء بمصر والشام. على أن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر وصيته في التعريف ولعله ممن كان يكتب له في زمانه أو قبله ثم ترك، وإنما يكون ذلك يحسب اعتناء السلطان بشأن البندق وعدمه كما في لباس الفتوة، وأنه ربما اعتنى به بعض الملوك فكتب له ثم ترك.
النوع الثاني: ولاية أرباب الأقلام:
وهم صنفان:
الصنف الأول: أرباب الوظائف الدينية:
وهم على ثمانية أضرب:
الضرب الأول- أكابر القضاة بأقطار المملكة، كقضاة القضاة بالحضرة السلطانية بالديار المصرية وثغر الإسكندرية، وكذلك قضاة القضاة بدمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك، وقضاة العسكر بالديار المصرية، أما القضاة بالنيابات الصغار المضافات إلى دمشق وحلب وما في معناهما إلى النواب بتلك الممالك.
الضرب الثاني- المفتون بدار العدل بالديار المصرية، أما المفتون بدار العدل بالممالك الشامية فولايتهم إلى نائبها.
الضرب الثالث- أكابر المحتسبين، كمحتسبي مصر والقاهرة، أما الممالك الشامية فلا يولي فيها إلا نوابها.
الضرب الرابع- أكابر المدرسين في عامة العلوم بأماكن مخصوصةٍ، كالزاوية الخشابية بالجامع العتيق بمصر، والمدرسة الصلاحية بتربة الإمام الشافعي بالقرافة، ونحو ذلك بأقطار المملكة من مدرسي الفقه والحديث والتفسير وغير ذلك من العلوم الدينية.
الضرب الخامس- أكابر الخطباء بجوامع مخصوصةٍ بأقطار المملكة، كجامع الناصري بقلعة الجبل، والجامع الأموي بالشام ونحوهما.
الضرب السادس- وكلاء بيت المال بالديار المصرية وغيرها.
الضرب السابع- المتحدثون على الوظائف المعتبرة، كنقابة الأشراف، ومشيخة الشيوخ، فما كان بالديار المصرية فولايته من السلطان، وتوقيعه من ديوان الإنشاء، وما كان منها بالممالك الشامية فولايتها إلى نواب السلطنة بها.
الضرب الثامن- المتحدثون على جهات البر العامة المصلحة، كنظر الأحباس وأنظار البيمارستانات ونحوها، فما كان منها بالديار المصرية، كنظر الأحباس والبيمارستان المنصوري وما أشبه ذلك فتوليته إلى نوابها، ما لم يكن لها ناظرٌ خاصٌ فيكون ذلك مختصاً به.
الصنف الثاني: أرباب الوظائف الديوانية:
ودواوينها على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: دواوين المال:
وأرباب الخدم بها ممن تكتب ولاياتهم من ديوان الإنشاء إما ناظر، أو وزير، أو صاحب ديوان، أو شهادةٌ، أو استيفاءٌ. فأما الوزارة فلا يصرح بها إلا للزير بالأبواب السلطانية، وربما صرح بها لوزير دمشق إذا وليها من ارتفعت مرتبته، وإلا عبر عنه بناظر المملكة.
وأما النظر، فكنظر الدواوين المعبر عنه بنظر الدولة، ونظر الخاص، ونظر الخزانة الكبرى، ونظر البيوت والحاشية، ونظر بيت المال، ونظر الإصطبلات السلطانية، ونظر دار الضيافة والأسواق، ونظر خزائن السلاح، ونظر البهار والكارمي، ونظر الأهراء، ونظر المواريث الحشرية، ونظر ثغر الإسكندرية المحروس، وغير ذلك من وظائف الأنظار بالديار المصرية. وكذلك نظر المملكة بدمشق إذا لم يصرح لمتوليه بالوزارة، ونظر المملكة بحلب، ونظر المملكة بطرابلس، ونظر المملكة بحماة، ونظر المملكة بصفد، ونظر المملكة بسيس، ونظر المملكة بغزة، ونظر المملكة بالكرك.
وأما صحابة الديوان، فكصحابة ديوان الجيش وصحابة ديوان الخاص، ونحو ذلك.
وأما الشهادة فكشهادة الخزانة الكبرى، وشهادة خزانة الخاص ونحوهما.
وأما الاستيقاء، فكاستيفاء الصحبة، واستيفاء الدولة، واستيفاء الخاص، ونحو ذلك. ولاحظ لغير النظار من دواوين الأموال بالممالك الشامية، من صاحب ديوانٍ ولا شاهدٍ ولا مستوفٍ في الكتابة بالولاية من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، بل ولايتها من نواب الممالك الشامية بتواقيع من دواوين الإنشاء بها.
الضرب الثاني: دواوين الجيوش بالديار المصرية وغيرها من الممالك الشامية:
وأرباب الخدم بها لا يخرجون عن ناظرٍ، وصاحب ديوانٍ، وشاهدٍ، ومستوفٍ.
والذين يولون عن السلطان منهم وتكتب تواقيعهم من ديوان الإنشاء الشريف ناظر الجيش بالأبواب السلطانية، وناظر السلطانية، وناظر الجيش بدمشق، وناظر الجيش بحلب، وناظر الجيش بطرابلس، وناظر الجيش بحماة، وناظر الجيش بصفد، وناظر الجيش بغزة، وناظر الجيش بسيس، وناظر الجيش بالكرك، وصاحب ديوان الجيش بالأبواب السلطانية، والشهود والمستوفون بها، أما من عدا هؤلاء، من نظار الجيش وأصحاب الدواوين والشهود بالممالك الشامية، فولايتهم إلى نواب السلطنة بها.
الضرب الثالث: دواوين الإنشاء:
وأرباب الخدم بها لا يخرجون عن كاتب سرٍ، وكاتب دستٍ، وكاتب درج.
والذين يولون عن السلطان من كاتب هذه الدواوين وتكتب تواقيعهم من ديوان الإنشاء السلطاني صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، وصاحب ديوان الإنشاء بدمشق، وصاحب ديوان المكاتبات بحلب، وصاحب ديوان المكاتبات بطرابلس، وصاحب ديوان المكاتبات بحماة، وصاحب ديوان المكاتبات بصفد، وكاتب الدرج بسيس، وكاتب الدرج بغزة، وكاتب الدرج بالكرك، وكاتب الدرج بالإسكندرية، وكتاب الدست وكتاب الدرج بالأبواب السلطانية؛ أما كتاب الدست وكتاب الدرج بالممالك الشامية فإلى نوابها بتواقيع من دواوين الإنشاء بها.
النوع الثالث: ولايات أرباب الوظائف الصناعية:
كالأطباء، والكحالين، والجرائحية، ومن جرى مجراهم من سائر أرباب الوظائف التي هي من تتمة نظام الملك، فما كان منها بالأبواب السلطانية فولايته عن السلطان بتوقيع من ديوان الإنشاء السلطاني، وما كان منها بالممالك الشامية فولايته إلى نواب السلطنة بها.
النوع الرابع: ولايات زعماء أهل الذمة:
وهي ضربان:
الضرب الأول: ولاية بطاركة النصارى من اليعاقبة والملكانية.
الضرب الثاني: ولاية رئيس اليهود الحاكم على طوائفهم.
النوع الخامس: ما لا يختص بطائفة ولا يندرج تحت نوع:
كصغار الأمور التي يكتب فيها لكل فردٍ فرد، إما ابتداءً، وإما بالحمل على ما بيده من ولايةٍ سابقةٍ، من نائبٍ أو قاضٍ أو ناظر وقف أو غير ذلك، مما لا ينحصر كثرةً.
قلت: وربما ولى السلطان في بعض الوظائف بالممالك الشامية مما تختص توليته بنواب السلطنة إذا كانت الوظيفة وضيعة المنزلة وأدركت المولى عنايته، وربما ولى بعض نواب السلطنة ما تختص توليته بالسلطان إذا عظمت رتبة النائب وارتفعت منزلته، خصوصاً إذا كان نظام المملكة محلولاً وأمرها مضطرباً.

.الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الخامسة في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال:

قال الشيخ شهاب الدين محمودٌ الحلبي رحمه الله في حسن التوسل: يجب على الكاتب أن يراعي في ذلك أموراً.
منها- براعة الاستهلال بذكر الرتبة، أو الحال، أو قدر النعمة، أو لقب صاحب الولاية، أو اسمه، بحيث لا يكون المطلع أجنبياً من هذه الأحوال، ولا بعيداً منها، ولا مبايناً لها، ثم يستصحب ما يناسب الغرض ويوافق القصد من أول الخطبة إلى آخرها.
ومنها- أن يراعي المناسبة وما تقتضيه الحال، فلا يعطي أحداً فوق حقه، ولا يصفه بأكثر مما يراد من مثله، ويراعي أيضاً مقدار النعمة والرتبة فيكون وصف المنة بها على مقدار ذلك.
ومنها- أن لا يصف المتولي بما يكون فيه تعريضٌ بذم المعزول وتنقيص له، فإن ذلك مما يوعز الصدور، ويورث الضغائن في القلوب، ويدل على ضعف الآراء في اختيار الأول، مع إمكان وصف الثاني بما يحصل به المقصود من غير تعريض بالأول.
ومنها- أن يتخير الكلام والمعاني فإنه مما يشيع ويذيع، ولا يعذر المقصر في ذلك بعجلة ولا ضيق وقت، فإن مجال الكلام متسع، والبلاغة تظهر في القليل والكثير.
قلت: ومنها أن يحرص الكاتب على أن تكون نهاية السجعة الأولى في السطر الأول أو الثاني ولا يؤخرها عن ذلك. ومما كان يراعى في ذلك أن تكون الخطبة من أولها إلى آخرها على روي واحدٍ في السجع، وكذلك الدعاء في أول صغار التواقيع والمراسيم المبتدأة بلفظ رسم بخلاف ما بعد ذلك إلى آخر ما يكتب، فإنه يتفق فيه روي السجعتين والثلاث فما حولها، ثم يخالف رويها إلى غيره، ولا يكلف الكاتب الإتيان بجميعها على رويٍ واحد، وعلى ذلك كانت طريقة فحول الكتاب بالدولة التركية، كالقاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، والمقر الشهابي بن فضل الله، ومن عاصرهم إلا في القليل النادر، فإنه ربما وقع لبعضهم مخالفة روي الخطبة، وإلى هذا قد جنح غالب كتاب ديوان الإنشاء في زماننا ومالوا إليه؛ لما في التزام الروي الواحد في جميع الخطبة من التكلف وعسر التلفيق على من يتعاناه.
ثم الكلام فيما يكتب في الولاية قد يكون جميعه بلفظ الغيبة، مثل أن يقال: عهد إليه بكذا، أو قلده كذا، أو فوض إليه كذا، أو أن يستقر في كذا، ونحو ذلك، ثم يقال: وأمره بكذا، أو ونحن نوصيه بكذا، أو فعليه بكذا، وما أشبه ذلك، وقد يكون جميعه بلفظ الخطاب، مثل أن يقال: وقد عهد إليك بكذا، أو قلدك كذا، أو فوض إليك كذا ثم يقال: ونحن نوصيك بكذا، أو فعليك بكذا، ونحوه، وقد يصدر بلفظ الغيبة ثم يلتفت منها إلى الخطاب، وقد يصدر بلفظ الخطاب ثم يلتفت منه إلى الغيبة بحسب ما يؤثره الكاتب وتؤدي إليه بلاغته مما ستقف على تنويعه في خلال كلامهم في أصناف الولايات الآتية في هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.

.الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الخامسة في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات:

وذلك من سبعة أوجه:
الوجه الأول: الألقاب، وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ألقاب الخلفاء:
وسبيلها الاختصار دون البسط، اكتفاءً بما هو ظاهرٌ من أبهة الخلافة، وعلو مقام الإمامة، إذ هي الزعامة العظمى، والرتبة التي هي أعلى الرتب وأسمى.
وهي صنفان:
الصنف الأول- ألقاب الخلفاء أنفسهم، وغاية ما ينعت به الإمام وأمير المؤمنين.
الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالخلافة، وألقابهم نحو السيد الجليل وذخيرة الدين، ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في عهود الخلفاء عن الخلفاء.
النوع الثاني: ألقاب الملوك:
وهي صنفان أيضاً:
الصنف الأول- ألقاب السلطان نفسه، والكتاب تارة يبتدئونها بالسلطان، وتارة يبتدئونها بالمقام، ولكلٍ منهما نعوتٌ تخصه، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفًى في الكلام على عهود الملوك عن الخلفاء، إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالملك، والملوك المنفردين بولاية صغار البلدان عن السلطان الأعظم، وهي لا تفتتح إلا بالمقام ليس إلا، ولها نعوتٌ تخصها، يأتي الكلام عليها في الكلام على عهودهم أيضاً.
النوع الثالث: ألقاب ذوي الولايات الصادرات عن السلطان من أرباب الوظائف الواقعة في هذه المملكة:
وقد تقدم في الكلام على الألقاب في مقدمة الكتاب أن أصول الألقاب المستعملة في ذلك خمسة ألقاب على الترتيب، وهي المقر، ثم الجناب، ثم المجلس، ثم مجلس مضافاً كمجلس الأمير، ومجلس القاضي، ومجلس الشيخ، ومجلس الصدر، ثم الاقتصار على المضاف إليه وحذف المضاف، كالأمير والقاضي والشيخ والصدر، ويلتحق بذلك لأهل الذمة الحضرة، وحضرة الشيخ، والشيخ مجرداً عن حضرة، وتقدم في الفصل الأول من هذا الباب أن أرباب الولايات خمسة أنواع: أرباب السيوف، وأرباب الأقلام، وأرباب الوظائف الصناعية، وزعماء أهل الذمة، ومن لا يختص بطائفةٍ لصغرهم. وجميع هذه الأنواع على اختلاف أصنافهم لا يخرجون عن الألقاب المتقدمة، وقد تقدم الكلام على هذه الألقاب ونعوتها لمن يكاتب عن الأبواب الشريفة السلطانية من أرباب الوظائف مستوفًى في المكاتبات، إلا أنه قد يولى عن السلطان من لم يؤهل للمكاتبه عنه، كأكثر أرباب الوظائف من حملة الأقلام وغيرهم، فاحتيج إلى تعريف مراتب الألقاب لكل نوع من أرباب الولايات.
فأما أرباب السيوف، فأعلى ألقابهم المقر، وأدناها مجلس الأمير، ثم الأمير مجرداً عن مجلس.
وأما أرباب الوظائف الصناعية، فأعلى ألقابهم المجلس وأدناها مجلس الصدر، ثم الصدر مجرداً عن مجلس.
وأما من لا يختص بطائفة لصغره، فيقتصر فيه على لقب التعريف وهو فلان الدين إن عظم وإلا اقتصر على اسمه خاصة.
وأما زعماء أهل الذمة، فأعلى ألقابهم الحضرة، ثم حضرة الشيخ، ثم الشيخ مجرداً عن حضرة.
واعلم أن كل من كانت له مكاتبةٌ عن الأبواب السلطانية من أرباب السيوف والأقلام وغيرهم، فلقب ولايته ونعوته كما في مكاتبته، غير أنه يزاد في آخر النعوت المركبة ذكر اسمه العلم، ونسبته إلى السلطان، كالناصري، والظاهري، ونحوهما إن كان ممن ينتسب إليه بنيابةٍ ونحوها، ثم إن كانت مكاتبته تفتتح بالدعاء نقل ذلك الدعاء من أول المكاتبة إلى ما بعد اسمه والنسبة إلى السلطان في الولاية، كما إذا كانت مكاتبته، أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم، فإنه يدعى له عقيب اسمه والنسبة إلى السلطان- إن كانت- بأعز الله تعالى أنصاره، وكذلك في البواقي.
وإن كانت مكاتبته تفتتح بغير الدعاء، كصدرت هذه المكاتبة ونحو ذلك، فإنه يدعى له في الولاية عقب الاسم والنسبة إلى السلطان- إن كانت- بما يدعى له في مكاتبته في آخر الألقاب، كما إذا كان من أرباب السيوف ومكاتبته صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي أو المجلس السامي بالياء فإنه يدعى له بمثل: أدام الله سعادته، وأدام الله رفعته، ونحو ذلك، وإن لم تكن له مكاتبةٌ عن الأبواب السلطانية كتب له في الولاية ما يناسبه من اللقب والنعوت، ثم يذكر اسمه والدعاء له إن كان مستحقاً للدعاء، وسيأتي لقب كل ذي ولاية من الأنواع الخمسة المتقدمة الذكر ونعوته عند ذكر ولايته فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
ثم للألقاب في الولايات محلان: أحدهما- الطرة. ويقتصر فيها على اللقب، من القمر أو الجناب أو المجلس أو مجلس مضافاً وما بعده من النعوت إلى اللقب المميز للوظيفة كالأميري والقضائي ونحوهما، ثم يذكر لقبه الخاص به وهو الفلاني أو فلان الدين، ثم يذكر اسمه وانتسابه إلى السلطان إن كان، على ما سيأتي بيانه مفصلاً، إن شاء الله تعالى.
الثاني- في أثناء الولاية. وهناك تستوفى النعوت ويؤتى بما في الطرة في ضمنه إلا أنه يجعل لقب التعريف- وهو الفلاني أو فلان الدين- بين النعوت المفردة والمركبة فاصلاً بينهما.
الوجه الثاني ألفاظ إسناد الولاية إلى صاحب الوظيفة ولها ست مراتب الأولى- لفظ العهد، مثل أن يقال: أن يعهد إليه، وهي خاصةٌ بالخلفاء والملوك.
الثانية- لفظ التقليد، مثل أن يقال: أن يقلد كذا، ويكون مع المقر الكريم والجناب الكريم.
الثالثة- لفظ التفويض، مثل أن يقال: أن يفوض إليه كذا، ويختص بالجناب لأرباب السيوف، وكذلك الجناب والمجلس العالي لأرباب الأقلام.
قلت: وكتاب زماننا يستعملونها مع المقر أيضاً، ولا يستعملون لفظ يقلد في التقاليد لتوهمهم الاكتفاء بلفظ تقليدٍ عنها، ولم يعلموا أن يقلد فوق يفوض كما تقدم. على أن المقر الشهابي بن فضل الله قد صرح بذلك في التعريف كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
الرابعة- لفظ الاستقرار والاستمرار، مثل أن يقال: أن يستقر في كذا، أو يستمر في كذا. ولفظ يستقر مختصٌ بالمستجد، ولفظ يستمر مختصٌ بالمستقر، ويكونان مع المجلس السامي بالياء، والمجلس السامي بغير ياء لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم، أما المجلس العالي فإن كانت مكاتبته تفتتح بالدعاء، مثل: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي كنائب السلطنة بالكرك، فإنه يقال فيه أن يفوض إليه، وإن كانت مكاتبته تفتتح بصدرت هذه المكاتبة كنائب القدس ونحوه، فإنه يقال فيه: أن يستقر.
الخامسة- لفظ الترتيب، مثل أن يقال: أن يرتب في كذا، ويكون مع مجلس مضافاً، مثل مجلس الأمير ومجلس القاضي ونحوهما، وربما استعملت مع السامي بغير ياء.
السادسة- لفظ التقدم، مثل أن يقال: أن يقدم فلانٌ على الطائفة الفلانية ونحو ذلك.
قلت: وهاتان المرتبتان أعني السادسة والخامسة قد ذكرهما المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف فقال: وقد يقال أن يرتب وأن يقدم. وهما موجودان في كتابة معاصريه بمصر والشام. أما كتاب زماننا فقد رفضوهما جملةً وأضربوا عن استعمالها بكل حال، واكتفوا عنهما بالمرتبة الرابعة وهي لفظ الاستقرار، والواجب إثباتهما لتفاوت ما بين المراتب. على أن استعمال لفظ يرتب موجودٌ في كلامهم بكثرة، ولفظ يقدم لم يستعملوه إلا في النزر اليسير، والله أعلم. وهذه الألفاظ تقع في الطرة وفي أثناء الكلام على حد واحدٍ.
الوجه الثالث الافتتاحات وهي راجعةٌ إلى أربع مراتب المرتبة الأولى- الافتتاح بلفظ: هذه بيعة، أو هذا ما عهد، ونحو ذلك في البيعات والعهود على المذهب القديم، أو بالحمد لله. ويقع الابتداء به في العهود والبيعات إذا ابتدئ العهد أو البيعة بخطبة على ما عليه استعمال أهل زماننا. وكذلك في التقاليد لأرباب السيوف والأقلام، والمراسيم المكبرة لأرباب السيوف، والتواقيع الكبار لأرباب الأقلام.
المرتبة الثانية- الافتتاح بأما بعد حمد الله. ويقع الابتداء به في المرتبة الثانية من أرباب المراسيم المكبرة من أصحاب السيوف، والمرتبة الثانية من أرباب التواقيع من أصحاب الأقلام.
المرتبة الثالثة- الافتتاح برسم بالأمر الشريف، ويقع الافتتاح به في المرتبة الثالثة لأرباب التواقيع والمراسيم من سائر أرباب الولايات.
المرتبة الرابعة- ما كان يستعمل من الافتتاح بأما بعد فإن كذا. أو من حسنت طرائقه، وحمدت خلائقه، فإنه أحق، وما أشبه ذلك، كما أشار إليه في التعريف إذ كان الآن قد رفض وترك على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، وقد كان ذلك يستعمل فيما تقدم لأرباب السيوف والأقلام جميعاً.
الوجه الرابع تعدد التحميد في الخطبة أو في أثناء الكلام واتحاده فقد قال في التعريف في الكلام على عهود الملوك للملوك: وكلما كثرت التحميدات في الخطب، كان أكبر؛ لأنها تدل على عظم قدر النعمة وذكر في الكلام على عهود الخلفاء عن الخلفاء أن ينتهى في التحميد إلى سبعة.
الوجه الخامس الدعاء وله ثلاثة مواضع الموضع الأول- في طرة الولاية بعد ذكر ما يكتب في الطرة من ألقابه، ولا يزاد فيه على دعوة واحدة تناسبه.
الموضع الثاني- في أثناء الولاية بعد استيفاء الألقاب وذكر الاسم، وهو ما في الطرة من الدعوة المناسبة له بغير زائدٍ على ذلك.
الموضع الثالث- في آخر الولاية بالإعانة ونحوها. قال في التثقيف: وأقلها دعوتان، وأكثرها أربعٌ. قال في التعريف: ومن استصغر من المولين لا يدعى له في آخر ولايته.
ثم قد تقدم في المكاتبات أن الدعاء مع تنزيه الله تعالى، كأعز الله تعالى أنصار المقر، وضاعف الله تعالى نعمة الجناب ونحو ذلك أعلى من حذفه، كأدام الله سعده، وأعزه ونحو ذلك، ولا شك أنه في الولايات كذلك.
الوجه السادس طول الكلام وقصره فكلما عظمت الوظيفة وارتفع قدر صاحبها كان الكلام فيها أبسط قال في حسن التوسل: ويحسن أن يكون الكلام في التقاليد منقسماً أربعة أقسام متقاربة المقادير؛ فالربع الأول في الخطبة، والربع الثاني في ذكر موقع الإنعام في حق المقلد، وذكر الرتبة وتفخيم أمرها، والربع الثالث في أوصاف المولى، وذكر ما يناسب تلك الرتبة ويناسب حاله من عدل وسياسةٍ ومهابة وبعد صيتٍ وسمعة وشجاعةٍ إن كان نائباً، ووصف الرأي والعدل وحسن التدبير والمعرفة بوجوه الأموال وعمارة البلاد، وصلاح الأحوال، وما يناسب ذلك إن كان وزيراً، وكذلك في كل رتبة بحسبها، والربع الرابع في الوصايا.
قال في التعريف: والذي أختاره اختصار مقدار التحميدة التي في الخطبة والخطب مطلقاً وإطالة ما بعد ذلك، والإطناب في الوصايا اللهم إلا لمن جل قدره وعظم أمره فإن الأولى الاقتصار في الوصايا على أهم الجمليات، ويعتذر في الاقتصار بما يعرف من فضله، ويعلم من علمه، ويوثق به من تجربته ومن هذا ومثله. قال: والكاتب في هذا كله بحسب ما يراه، ولكل واقعةٍ مقال يليق بها، ولملبس كل رجل قدرٌ معروف لا يليق به غيره، وفي هذا غنًى لمن عرف، وكفايةٌ لمن علم، على أن المقر الشهابي تابع في ذلك القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله، فإنك إذا تأملت تقاليده وتواقيعه، وجدتها كلها كذلك، ولكلٍ وجهٌ ظاهر، فإن المطول للخطبة لا يخليها من براعة الاستهلال، المناسبة للحال، والمقصر لها مراغٍ لزيادة الإطناب في الوصف.
قلت: ولا يخفى أن ما ذكراه في التقاليد يجيء مثله في العهود لجريها على موجبها من مولٍ ومولًى.
أما إذا كانت الولاية بيعةً فإنه يجعل موضع الوصايا ذكر التزام الخليفة البر والإحسان للخلق، ووعد النظر في أمور الرعية، وصلاح أحوالهم، وذكر التحليف للخليفة، أو له وللسلطان إن كان معه سلطان قام بعقد البيعة له على الوفاء بالعهد والدخول تحت الطاعة. قال في حسن التوسل: والأمر الجاري في ذلك على العادة معروفٌ لكنه قد تقع أشياء خارجةٌ عن العادة فيحتاج الكاتب فيها إلى حسن التصرف على ما يقتضيه الحال، وذكر من ذلك تقليداً أنشأه لمتملك سيس، وتقليداً كتبه بالفتوة، وسيأتي ذكر ذلك مع ما شاكله في مواضعه إن شاء الله تعالى.
الوجه السابع قطع الورق واعلم أن الولايات من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بجملتها ينحصر قطع الورق فيها في خمسة مقادير لا يتعداها: أحدها- قطع البغدادي الكامل؛ وهو مختصٌ بالبيعات والعهد مطلقاً على أي الافتتاحات كان.
الثاني- قطع الثلثين من المنصوري؛ وهو لأجل الولايات السلطانيات لأرباب السيوف وبعض أرباب الأقلام، ولا يفتتح فيها إلا بالحمد.
الثالث- قطع النصف منه؛ وهو لما دون ذلك، ولا يفتتح فيه إلا بالحمد أيضاً.
الرابع- قطع الثل منه؛ وهو لما دون ذلك.
واعلم أنه إذا ولي صاحب وظيفةٍ تستحق قطع النصف وظيفة أخرى تستحق قطع العادة، فإنه يراعى مقدار صاحبها ويزاد على مقدار العادة، إلا أنه لا يبلغ مبلغ رتبة وظيفته العليا، بل ينبغي أن يتوسط بينهما، فيكتب له في قطع الثلث لتكون رتبة بين رتبتين فتحصل مراعاة تعظيمه من حيث الزيادة على قطع العادة، ومراعاة قدر الوظيفة من حيث إنها لم تبلغ شأو وظيفته العليا، أما إذا ولي منحط القدر وظيفةً تستحق القطع الكبير، فإنه يكتب له فيه، وتكون توليته لها رفعاً إلى درجتها.
الخامس- قطع العادة؛ وهو أصغرها. والأصل أن يفتتح فيه بلفظ رسم بالأمر الشريف وربما علت رتبة صاحب الولاية ولم يؤهل للكتابة في قطع الثلث فيكتب له فيه: أما بعد حمد الله، وهو قليل الاستعمال، فإن استعمل أما بعد فإن كذا، أو إن أولى، أو إن أحق ونحو ذلك كتب في قطع العادة أيضاً.